فصل: قال البيضاوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{لعلي} ساكنة الياء كوفي وسهل ويعقوب {كَلاَّ} ردع عن طلب الرجعة وإنكار واستبعاد {إِنَّهَا كَلِمَةٌ} المراد بالكلمة الطائفة من الكلام المنتظم بعضها مع بعض وهو قوله: {رب ارجعون لعلي أعمل صالحًا فيما تركت} {هُوَ قَائِلُهَا} لا محالة لا يخليها ولا يسكت عنها لاستيلاء الحسرة والندم عليه {وَمِن وَرَائِهِمْ} أي أمامهم والضمير للجماعة {بَرْزَخٌ} حائل بينهم وبين الرجوع إلى الدنيا {إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} لم يرد أنهم يرجعون يوم البعث وإنما هو إقناط كلي لما علم أن لا رجوع بعد البعث إلا إلى الآخرة.
{فَإِذَا نُفِخَ في الصور} قيل: إنها النفخة الثانية {فَلاَ أنساب بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ} وبالإدغام: أبو عمرو لاجتماع المثلين وإن كانا من كلمتين يعني يقع التقاطع بينهم حيث يتفرقون مثابين ومعاقبين ولا يكون التواصل بينهم بالأنساب إذ يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه، وإنما يكون بالأعمال.
{وَلاَ يَتَسَاءلُونَ} سؤال تواصل كما كانوا يتساءلون في الدنيا لأن كلًا مشغول عن سؤال صاحبه بحاله.
ولا تناقض بين هذا وبين قوله: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ} [الصافات: 27] فللقيامة مواطن.
ففي موطن يشتد عليهم الخوف فلا يتساءلون، وفي موطن يفيقون فيتساءلون.
{فَمَن ثَقُلَتْ موازينه} جمع موزون وهي الموزونات من الأعمال الصالحة التي لها وزن وقدر عند الله تعالى من قوله: {فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ القيامة وَزْنًا} [الكهف: 105] {فَأُوْلَئِكَ هُمُ المفلحون وَمَنْ خَفَّتْ موازينه} بالسيئات والمراد الكفار {فأولئك الذين خَسِرُواْ أَنفُسَهُم} غبنوها {فِى جَهَنَّمَ خالدون} بدل من {خسروا أنفسهم} ولا محل للبدل والمبدل منه لأن الصلة لا محل لها أو خبر بعد خبر ل {أولئك} أو خبر مبتدأ محذوف {تَلْفَحُ} أي تحرق {وُجُوهَهُمُ النار وَهُمْ فِيهَا كالحون} عابسون فيقال لهم {أَلَمْ تَكُنْ آياتى} أي القرآن {تتلى عَلَيْكُمْ} في الدنيا {فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذّبُونَ} وتزعمون أنها ليست من الله تعالى.
{قَالُواْ رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا} ملكتنا {شِقْوَتُنَا} {شقاوتنا} حمزة وعلي وكلاهما مصدر أي شقينا بأعمالنا السيئة التي عملناها.
وقول أهل التأويل غلب علينا ما كتب علينا من الشقاوة لا يصح، لأنه إنما يكتب ما يفعل العبد وما يعلم أنه يختاره ولا يكتب غير الذي علم أنه يختاره فلا يكون مغلوبًا ومضطرًا في الفعل، وهذا لأنهم إنما يقولون ذلك القول اعتذارًا لما كان منهم من التفريط في أمره فلا يجمل أن يطلبوا لأنفسهم عذرًا فيما كان منهم {وَكُنَّا قَوْمًا ضَالّينَ} عن الحق والصواب {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا} أي من النار {فَإِنْ عُدْنَا} إلى الكفر والتكذيب {فَإِنَّا ظالمون} لأنفسنا.
{قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا} اسكتوا سكوت ذلة وهوان {وَلاَ تُكَلّمُونِ} في رفع العذاب عنكم فإنه لا يرفع ولا يخفف.
قيل: هو آخر كلام يتكلمون به ثم لا كلام بعد ذلك إلا الشهيق والزفير أن يحضروني.
{ارجعوني} {ولا تكلموني} بالياء في الوصل والوقف: يعقوب وغيره بلا ياء {إِنَّهُ} إن الأمر والشأن {كَانَ فَرِيقٌ مّنْ عِبَادِى يَقُولُونَ رَبَّنَا ءامَنَّا فاغفر لَنَا وارحمنا وَأَنتَ خَيْرُ الرحمين فاتخذتموهم سِخْرِيًّا} مفعول ثان وبالضم: مدني وحمزة وعلي، وكلاهما مصدر سخر كالسخر إلا أن في ياء النسبة مبالغة.
قيل: هم الصحابة رضي الله عنهم.
وقيل: أهل الصفة خاصة ومعناه اتخذتموهم هزؤوا وتشاغلتم بهم ساخرين {حتى أَنسَوْكُمْ} بتشاغلكم بهم على تلك الصفة {ذِكْرِى} فتركتموه أي كان التشاغل بهم سببًا لنسيانكم ذكري {وَكُنْتُمْ مّنْهُمْ تَضْحَكُونَ} استهزاء بهم {إِنِى جَزَيْتُهُمُ اليوم بِمَا صَبَرُواْ} بصبرهم {أَنَّهُمْ} أي لأنهم {هُمُ الفائزون} ويجوز أن يكون مفعولًا ثانيًا أي جزيتهم اليوم فوزهم لأن جزى يتعدى إلى اثنين {وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُواْ جَنَّةً} [الدهر: 12] {إنهم} حمزة وعلي على الاستئناف أي إنهم هم الفائزون لا أنتم.
{قَالَ} أي الله أو المأمور بسؤالهم من الملائكة.
{قل} مكي وحمزة وعلي أمر لمالك أن يسألهم {كَمْ لَبِثْتُمْ في الأرض} في الدنيا {عَدَدَ سِنِينَ} أي كم عدد سنين لبثتم فكم نصب ب {لبثتم} و{عدد} تمييز {قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} استقصروا مدة لبثهم في الدنيا بالإضافة إلى خلودهم ولما هم فيه من عذابها، لأن الممتحن يستطيل أيام محنته ويستقصر ما مر عليه من أيام الدعة {فَاسْأَلِ العادين} أي الحساب أو الملائكة الذين يعدون أعمار العباد وأعمالهم {فسل} بلا همز: مكي وعلي {قَالَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلًا} أي ما لبثتم إلا زمنًا قليلًا أو لبثًا قليلًا {لَّوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} صدقهم الله تعالى في تقالهم لسني لبثهم في الدنيا ووبخههم على غفلتهم التي كانوا عليها {قل إن} حمزة وعلي {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خلقناكم عَبَثًا} حال أي عابثين أو مفعول له أي للعبث {وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ} وبفتح التاء وكسر الجيم: حمزة وعلي ويعقوب وهو معطوف على {أَنَّمَا خلقناكم} أو على {عبثًا} أي للعبث ولنترككم غير مرجوعين بل خلقناكم للتكليف، ثم للرجوع من دار التكليف إلى دار الجزاء فنثيب المحسن ونعاقب المسيء {فتعالى الله} عن أن يخلق عبثًا {الملك الحق} الذي يحق له الملك لأن كل شيء منه وإليه، أو الثابت الذي لا يزول ولا يزول ملكه {لاَ إله إِلاَّ هُوَ رَبُّ العرش الكريم} وصف العرش بالكرم لأن الرحمة تنزل منه أو لنسبته إلى أكرم الأكرمين. وقرئ شاذًا برفع {الكريم} صفة للرب تعالى.
{وَمَن يَدْعُ مَعَ الله إِلَهَا ءَاخَرَ لاَ بُرْهَانَ} أي لا حجة {لَهُ بِهِ} اعتراض بين الشرط والجزاء كقولك من أحسن إلى زيد لا أحق بالإحسان منه فإن الله مثيبه أو صفة لازمة جيء بها للتوكيد كقولك يطير بجناحيه لا أن يكون في الآلهة ما يجوز أن يقوم عليه برهان {فَإِنَّمَا حِسَابُهُ} أي جزاؤه وهذا جزاء الشرط {عِندَ رَبّهِ} أي فهو يجازيه لا محالة {إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الكافرون} جعل فاتحة السورة {قد أفلح المؤمنون} وخاتمتها {إنه لا يفلح الكافرون} فشتان ما بين الفاتحة والخاتمة.
ثم علمنا سؤال المغفرة والرحمة بقوله: {وَقُل رَّبّ اغفر وارحم} ثم قال: {وَأَنتَ خَيْرُ الرحمين} لأن رحمته إذا أدركت أحدًا أغنته عن رحمة غيره ورحمة غيره لا تغنيه عن رحمته. اهـ.

.قال البيضاوي:

{وَلَوْ رحمناهم وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مّن ضُرٍّ}.
يعني القحط. {لَّلَجُّواْ} لثبتوا واللجاج التمادي في الشيء. {فِي طغيانهم} إفراطهم في الكفر والاستكبار عن الحق وعداوة الرسول والمؤمنين. {يَعْمَهُونَ} عن الهدى، روي أنهم قحطوا حتى أكلوا العلهز فجاء أبو سفيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أنشدك الله والرحم ألست تزعم أنك بعثت رحمة للعالمين قال: «بلى» فقال: قتلت الآباء بالسيف والأبناء بالجوع فنزلت.
{وَلَقَدْ أخذناهم بالعذاب} يعني القتل يوم بدر. {فَمَا استكانوا لِرَبّهِمْ} بل أقاموا على عتوهم واستكبارهم، واستكان استفعل من الكون لأن المفتقر انتقل من كون إلى كون أو افتعل من السكون أشبعت فتحته. {وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} وليس من عادتهم التضرع وهو استشهاد على ما قبله.
{حتى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ} يعني الجوع فإنه أشد من القتل والأسر. {إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} متحيرون آيسون من كل خير حتى جاءك أعتاهم يستعطفك.
{وَهُوَ الذي أَنْشَأَ لَكُمُ السمع والأبصار} لتحسوا بها ما نصب من الآيات. {والأفئدة} لتتفكروا فيها وتستدلوا بها إلى غير ذلك من المنافع الدينية والدنيوية. {قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ} تشكرونها شكرًا قليلًا لأن العمدة في شكرها استعمالها فيما خلقت لأجله، والإذعان لمانحها من غير إشراك و{مَا} صلة للتأكيد.
{وَهُوَ الذي ذَرَأَكُمْ فِي الأرض} خلقكم وبثكم فيها بالتناسل. {وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} تجمعون يوم القيامة بعد تفرقكم.
{وَهُوَ الذى يُحيِ وَيُمِيتُ وَلَهُ اختلاف اليل والنهار} ويختص به تعاقبهما لا يقدر على غيره فيكون ردًا لنسبته إلى الشمس حقيقة أو لأمره وقضائه تعاقبهما، أو انتقاص أحدهما وازدياد الآخر. {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} بالنظر والتأمل أن الكل منا وأن قدرتنا تعم الممكنات كلها وأن البعث من جملتها، وقرئ بالياء على أن الخطاب السابق لتغليب المؤمنين.
{بَلْ قَالُواْ} أي كفار مكة. {مِثْلَ مَا قَالَ الأولون} آباؤهم ومن دان بدينهم.
{قَالُواْ أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وعظاما أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ} استبعادًا ولم يتأملوا أنهم كانوا قبل ذلك أيضًا ترابًا فخلقوا.
{لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَءَابَاؤُنَا هذا مِن قَبْلُ إِنْ هذا إِلاَّ أساطير الأولين} إلا أكاذيبهم التي كتبوها، جمع أسطورة لأنه يستعمل فيما يتلى به كالأعاجيب والأضاحيك. وقيل جمع أسطار جمع سطر.
{قُل لّمَنِ الأرض وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} إن كنتم من أهل العلم أو من العالمين بذلك، فيكون استهانة بهم وتقريرًا لفرط جهالتهم حتى جهلوا مثل هذا الجلي الواضح إلزامًا بما لا يمكن لمن له مسكة من العلم إنكاره، ولذلك أخبر عن جوابهم قبل أن يجيبوا فقال.
{سَيَقُولُونَ لِلَّهِ} لأن العقل الصريح قد اضطرهم بأدنى نظر إلى الإِقرار بأنه خالقها. {قُلْ} أي بعد ما قالوه. {أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ} فتعلمون أن من فطر الأرض ومن فيها ابتداء قادر على إيجادها ثانيًا، فإن بدء الخلق ليس أهون من إعادته. وقرئ {تتذكرون} على الأصل.
{قُلْ مَن رَّبُّ السموات السبع وَرَبُّ العرش العظيم} فإنها أعظم من ذلك. {سَيَقُولُونَ لِلَّهِ} قرأ أبو عمرو ويعقوب بغير لام فيه وفيما بعده على ما يقتضيه لفظ السؤال. {قُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ} عقابه فلا تشركوا به بعض مخلوقاته ولا تنكروا قدرته على بعض مقدوراته.
{قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ} ملكه غاية ما يمكن وقيل خزائنه. {وَهُوَ يُجْيِرُ} يغيث من يشاء ويحرسه. {وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ} ولا يغاث أحد ولا يمنع منه، وتعديته بعلى لتضمين معنى النصرة. {إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}.
{سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فأنى تُسْحَرُونَ} فمن أين تخدعون فتصرفون عن الرشد مع ظهور الأمر وتظاهر الأدلة.
{بَلْ أتيناهم بالحق} من التوحيد والوعد بالنشور. {وَإِنَّهُمْ لكاذبون} حيث أنكروا ذلك.
{مَا اتخذ الله مِن وَلَدٍ} لتقدسه عن مماثلة أحد. {وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ} يساهمه في الألوهية. {إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إله بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ} جواب محاجتهم وجزاء شرط حذف لدلالة ما قبله عليه، أي لو كان معه آلهة كما تقولون لذهب كل منهم بما خلقه واستبد به وامتاز ملكه عن ملك الآخرين وظهر بينهم التحارب والتغالب كما هو حال ملوك الدنيا، فلم يكن بيده وحده ملكوت كل شيء واللازم باطل بالإِجماع والاستقراء وقيام البرهان على استناد جميع الممكنات إلى واجب واحد. {سبحان الله عَمَّا يَصِفُونَ} من الولد والشريك لما سبق من الدليل على فساده.
{عالم الغيب والشهادة} خبر مبتدأ محذوف وقد جره ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو ويعقوب وحفص على الصفة، وهو دليل آخر على نفي الشريك بناء على توافقهم في أنه المنفرد بذلك ولهذا رتب عليه. {فتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ} بالفاء.
{قُل رَّبِّ إِمَّا تُرِيَنّي} إن كان لابد من أن تريني لأن ما والنون للتأكيد. {مَا يُوعَدُونَ} من العذاب في الدنيا والآخرة.
{رَبِّ فَلاَ تَجْعَلْنِي فِي القوم الظالمين} قرينًا لهم في العذاب، وهو إما لهضم النفس أو لأن شؤم الظلمة قد يحيق بمن وراءهم كقوله تعالى: {واتقوا فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الذين ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً} عن الحسن أنه تعالى أخبر نبيه عليه السلام أنه له في أمته نقمة ولم يطلعه على وقتها فأمره بهذا الدعاء وتكرير النداء، وتصدير كل واحد من الشرط والجزاء به فضل تضرع وجؤار.
{وَإِنَّا على أَن نُّرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لقادرون} لكنا نؤخره علمنا بأن بعضهم أو بعض أعقابهم يؤمنون، أو لأنا لا نعذبهم وأنت فيهم، ولعله رد لإِنكارهم الموعود واستعجالهم له استهزاء به. وقيل قد أراه: وهو قتل بدر أو فتح مكة.